آخر الأخبار
مقالات رأي
هذا المحتوى يعبّر عن رأي الكاتب وحده، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الكيان.
- الصفحة الرئيسية
- مقالات رأي

الشباب المصري وسؤال الهوية: بين الأصالة والتحديث
-
2025-08-11
-
محمد عوض علي مرسي
الشباب المصري وسؤال الهوية: بين الأصالة والتحديث
مقدمة
في عالم متسارع التغيرات، لم يعد سؤال الهوية ترفًا فكريًا أو موضوعًا للنقاش النخبوي فقط، بل صار قضية تمس حياة كل شاب مصري بشكل مباشر. يعيش الجيل الجديد يوميًا حالة شد وجذب بين قيم وتقاليد موروثة تشكل عمق المجتمع، وبين ثقافة كونية منفتحة تقتحم تفاصيل الحياة عبر الإنترنت ووسائل الإعلام. من هنا تنشأ الحاجة إلى إعادة التفكير في معنى الهوية المصرية وكيفية حمايتها وتطويرها في آن واحد.
بين التقاليد والانفتاح
يخطئ من يظن أن العلاقة بين القديم والجديد علاقة صراع صفري لا حل فيه إلا بالقطيعة مع أحدهما. الهوية الحية هي التي تعرف كيف تحتفظ بجوهرها وتفتح نوافذها على العالم في الوقت نفسه. التقاليد ليست عائقًا أمام التقدم إذا تمت قراءتها قراءة نقدية، والانفتاح ليس خطرًا بالضرورة إذا كان انفتاحًا واعيًا يحسن الاختيار. المشكلة تكمن في التقليد الأعمى، سواء للتراث دون وعي أو للغرب دون تمييز.
تأثير العولمة على الشباب المصري
لا يمكن إنكار أثر العولمة في تشكيل أنماط التفكير والسلوك لدى الشباب المصري. الانفتاح الهائل على الثقافات الأخرى مكّن الأجيال الجديدة من الاطلاع على قيم إنسانية مهمة مثل الحرية والعدالة والمساواة، وأتاح لهم فرصًا للتعلم والعمل والتواصل عالميا. لكن في المقابل حمل معه أيضًا نزعات استهلاكية وفردية، ونماذج غريبة عن ثقافتنا قد تؤدي إلى فقدان الثقة بالذات وإضعاف الانتماء. التحدي هنا هو كيفية الاستفادة من الانفتاح دون التفريط في الخصوصية.
أزمة الهوية في الحياة اليومية
يمكن ملاحظة أزمة الهوية في تفاصيل بسيطة لكنها معبرة في حياتنا اليومية. اللغة المختلطة بمصطلحات أجنبية دون داعٍ، التقليد الأعمى في الأزياء والموضة، الإعجاب غير النقدي بالثقافات الأخرى، وحتى ضعف الروابط الاجتماعية التقليدية مثل احترام الأكبر وروح التعاون الجماعي. هذه المظاهر ليست مجرد حرية شخصية، بل تعكس أحيانًا ارتباكًا في تحديد الذات الجماعية ومكانها في العالم.
بناء هوية متوازنة
الحل لا يكمن في الانغلاق على الذات ورفض كل جديد، ولا في الذوبان في الآخر وفقدان الخصوصية. المطلوب هو تربية جيل قادر على التفكير النقدي، يعتز بثقافته وقيمه، ويعرف كيف يطورها. التعليم يجب أن يغرس الانتماء دون تحجر، الإعلام ينبغي أن يقدم قدوات حقيقية تعبر عن التحديث والأصالة معًا، والأسرة عليها أن تفتح باب الحوار مع الأبناء بدلًا من الفرض والمنع. بهذه الطريقة يمكن بناء هوية مصرية حديثة متجذرة ومنفتحه.
خاتمة
سؤال الهوية ليس قضية نخبوية، بل مسألة تمس استقرار المجتمع وقدرته على مواجهة تحديات المستقبل. إن تمكين الشباب من فهم هويتهم والاعتزاز بها، مع تطويرها لتواكب العصر، هو مهمة وطنية يشترك فيها الجميع. فالمجتمع الذي ينجح في تحقيق هذا التوازن هو القادر على البقاء والتقدم بثقة في عالم سريع التغيرات.