آخر الأخبار
مقالات رأي
هذا المحتوى يعبّر عن رأي الكاتب وحده، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الكيان.
- الصفحة الرئيسية
- مقالات رأي

اللغة التي تنزف على جدران الفيس بوك واللافتات.. حين يُهان اللسان العربي في عقر داره
-
2025-08-11
-
أحمد السيد الإكيابي
اللغة التي تنزف على جدران الفيس بوك واللافتات.. حين يُهان اللسان العربي في عقر داره
كتب – أحمد الإكيابي
في زمنٍ تُبنى فيه الأمم على الكلمة، تُواجه اللغة العربية، لغة الضاد والبيان والشعر والقرآن، واحدةً من أخطر معاركها، لا مع الغزو الثقافي أو الاندثار، بل مع أبناء جلدتها، الذين يتنازلون عنها طوعًا؛ في منشور، أو لافتة، أو لوحة دعائية تُعلَّق على قارعة الطريق، تخون فيها الحروفُ معانيها، وتُذبح القواعد على مذبح الجهل والاستسهال.
يكفي أن تتصفح موقع "فيس بوك" لتُصدم من حجم الأخطاء. وعلى سبيل المثال:
"هاذه" بدلًا من "هذه".
"إنشاء الله" بدلًا من "إن شاء الله".
"العالمين" بدلًا من "العلمين".
"ادعولي" بهمزة الوصل المنهارة...
وكأن القواعد التي تعلّمناها صارت عبئًا على الكتابة، لا أساسًا لها.
لم يعد الخطأ مجرد سهو، بل أصبح قاعدة جديدة لمن لا يفرّق، مثلًا، بين "الثاء" و"السين". إنها أخطاء تُرتكب جهارًا، بلا شعور بالخجل، بل ويتجرأ أصحابها على التصحيح لمن يحاول لفت أنظارهم!
المؤلم أن هذه الظاهرة لم تَعُد حكرًا على الأفراد، بل امتدت إلى مؤسسات وشركات. كم من لافتة رسمية أو إعلان تجاري مرّ على أعين الناس دون أن يراجعه لغوي واحد؟
كم من لافتة دعائية عجزت عن التمييز بين الهاء والتاء المربوطة؟ شعارات رسمية مليئة بأخطاء في التنقيط والتشكيل والتركيب!
والأسوأ أن تمرّ هذه الأخطاء دون مراجعة، وتُطبع وتُعلّق حتى تصبح رؤيتها أمرًا مألوفًا، وكأن اللغة باتت آخر ما يُؤخذ في الاعتبار.
والأدهى أن هذه الأزمة ليست وليدة الأمية، بل وليدة اللامبالاة؛ ثقافة تقول: "طالما الفكرة وصلت، مش مهم الإملاء". لكن الحقيقة أن الخطأ في اللغة ليس خطأً بسيطًا، بل هو إساءة لهويتنا، وتفريط في تراث لغوي عظيم، وانعكاس مباشر على صورة من كتب وأعلن ونشر. فاللغة ليست وسيلة للتواصل وفقط، بل هي عنوان للفكر، ومستوى التعليم، وعمق الانتماء.
وإعادة إحياء ثقافة اللغة في المدارس والجامعات، لا كمادة للحفظ، بل كوسيلة للتفكير والتعبير، من أهم الحلول للتغلب على تلك الأزمة. بالإضافة إلى مراجعة لغوية إلزامية للإعلانات واللافتات من قِبل جهة رسمية تكون هي المنوط بها الإشراف على ذلك، تمامًا كما تُراجع القوانين والعقود. ولا سيما دعم مبادرات التصحيح على السوشيال ميديا بدلًا من السخرية منها، وأخيرًا إدماج قواعد الكتابة الصحيحة في برامج تدريب العاملين في الإعلام والتسويق والنشر.
فاللغة العربية لا تُهان إذا هاجمها أعداؤها، بل حين يهملها أهلها. فلنُدرك جميعًا أن الحرف مصير، والخطأ فيه قد يفتح بابًا للعبث بالهوية. فكتاباتنا يجب أن تكون مرآة لعقولنا، لا شاهدة على تراجع لا يرجوه أيٌّ منا.